نفسي أرجع أحبك ومش عارفة
انا عارفة إنك أحسن من كدة
إنتي ما تستاهليش مني كل ده
بس احنا كمان مانستاهلش كل ده
الحل الوحيد عشان أفضل أحبك
إني أبعد عنك
عايزاكي توحشيني
مع إنك وحشتيني قوي!
الحقيقة قضية كالتحرش والقمع والنظرة لجسد المرأة بشهوة وللمرأة ذات نفسها بدونية واضحة أخدت مني مناقشات كتيرة وأفكار أكثر. إنما ولحكمة لا يعلمها إلا الله قرر العالم أن يهديني الإجابة والراحة أخيراً عن التساؤلات التي جالت بذهني طوال الفترات الماضية وعن المنطق اللامنطقي الذي يسير المصريون به منذ مدة كدة طويلة يعني.
إذ في عصر يوم الخميس الماضي ولظروف صحية ألمت بوالدتي اضطريت أتذل أنا وهي لمستشفى حكومي متخصص في امراض الصدر والقلب بعدنا بمحطتين. الأمور استقرت على ضرورة العلاج عن طريق مصل يديه لها دكتور متخصص في امراض الصدر وهكذا استنينا على باب سي الدكتور إلى أن يحين الموعد المنتظر.
السيد الدكتور عظيم الشأن له باع طويل في تخصصه يبلغ من العمر فوق الخمسين بشوية أصلع وفي بداية لقائك به قد تبدو عليه إمارات الذكاء. دخلنا وبدأ هو في تحضير جرعات المصل إياه بينما كل شوية تقع من ايده حاجة على المكتب اللي قدامه. جدير بالذكر إننا دخلنا بصحبة مريض آخر له نفس المصل عشان سي الدكتور عنده مشاوير و يريد على حد تعبيره أن "ينجز".
أردنا حقيقة أن نخرج من المستشفى سالمين فأكدنا عليه بشيء من الظرف من منطلق "إن لك عند الكلب حاجة" أن يحاول التركيز في جرعات المصل كي لا تختلط جرعاتنا بجرعات المريض التاني ده هو لأن الحكاية مش ناقصة . فرد علينا الطبيب اسم النبي حارسه وصاينه لأمه إنه فاهم هو بيعمل إيه وإنه المحروس لو بيتلخبط في الحاجات اللي زي دي "يبقى أحسن له يقعد في البيت زي الستات ويعمل محشي كرنب"!
ولأني كنت قاعدة أساساً مش طايقة خلقة أهله وهو وقع في عش الدبابير وانا جنبه فقلت له وايه المشكلة في الستات اللي بتعمل محشي كرنب يعني؟ وطبعا كان بودي أن أذيل السؤال بكلمات أخرى تعبر عن اعتراضي الحاد والشديد لكن حاولت جاهدة على تذكر منطق الكلاب إياه . انفتح خشم سي الدكتور عن ضحكة صفراء واهتز كرشه قليلاً وهو يؤكد "أصل أنا مخي صعيدي، بصراحة الست ماتنفعش في أي حاجة غير في البيت عشان تعمل محشي كرنب"!
وهنا شعشعت لمبة دماغي وقلت آآآآه إذن هذه هي الحقيقة المطلقة بقى. وبدافع من رحمة ربي وقبل أن أنطلق في تهزيق البيه الدكتور بكلمات ظاهرها مهذب وجدت المريض الآخر يقول بمنتهى الهدوء "وماله المحشي بقى؟" نظر سي الدكتور إليه بنظرة المذهول الذي كان يتوقع من ابن جلدته أن يسانده وهو وضع طبيعي لو كنت تعرف شيئاً عن ركوب الاتوبيسات وحالات التحرش.. فقال المريض مجدداً "على فكرة أنا شيف" وهنا انكتم الدكتور المنيل على عينه واستمر في النظر للحقن بين يديه حتى انتهى اللقاء القميء.
الآن وبصفة شخصية أشكر العالم بأكمله والدكتور والمستشفى ويوم الخميس لأني أخيرا عرفت مصدر العلة عندنا نحن المصريون. العلة إن الأمر ياسادة ليس له علاقة بالصعايدة ولا بالجهلة ولا بالتعليم ولا بالدكتوراة ولا بالظروف الاقتصادية ولا بالحقبة التاريخية ولا بمبارك نفسه ..
العلة ببساطة إن فيه أدمغة زي الجزمة هتعيش جزمة وتموت جزمة ولا جدوى أبداً من محاولة تغييرها حتى لما لامؤاخذة تفتح بقها وتسلم الروح لبارئها فيتوجد بدالها جزم جديدة صغننة كدة تحمل نفس جينات وروائح الجزم القديمة المرحومة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً!
تاريخي يبدأ قبل الأزل؛ بشهور، أو أيام أو مجرد ساعات بسيطة.. الآن لم يعد كل شيء كما كان. في الفراغ تتجسد حقائق جديدة ويثبت خطأ أخرى. أكتشف بعد فقدان البصر أن الأشياء تبدو دائماً أجمل في الظلام؛ و إلا لماذا وهبنا الله حاسة كاللمس؟! لماذا يُسمح للبشر باستقبال إشارات جديدة من الحياة دون حتى أن يروها؟
لماذا تبث تلك الرعشة في أجسادهم لو لامسوا جداراً منقوشاً يعود لآلاف السنين..أو حتى من مجرد ملمس يد أخرى غريبة عنهم؟
ألمس الفنجان بهدوء وشبه حكمة بعد أن أغرقت سبع مكعبات من السكر فيه. أتذوق وجه القهوة بطرف لساني، فتراودني قطعة أخرى من السكر لم تغرق بعد. أخفيها عن الفنجان الذي يشبه نداهة السكر، أحتفظ بها في الظل كيلا تنتهكها عيون آخرين. للمرة الأولى أنظر لقطعة سكر بريئة بشهوة من اكتفى من مرارة الوجوه. احتفظ بها كمكافأة طفولية لي على تحمل مرارة القهوة. للمرة الأولى أراها على ضوء الـ"سبوت لايت" اللامع، الذي يضفي بريقاً خادعاً على الذهب ويفشل تماماً في إخفاء تقاسيم الوجوه ودلالاتها. أنتهي من القهوة وأتفرغ لمكعب السكر الأبيض الشهي. يغريني بالاستمتاع ببياضه في الضوء الشاحب أطول فترة ممكنة، غير عابئة بانطباعات الآخرين. أمد يدي لألمس قطعة السكر بحنو و ببطء ثم أرسلها للساني دون رهبة أو خجل. تذوب القطعة برفق كأنها شيكولاتة الحياة حين تتوفر لي. أستمع لمن حولي وأنا أستمتع بالطعم الحلو الذي يناغشني.
أضحك على أشياء لم تكن تضحكني من قبل، أهتم بأمور جديدة، أرى كل منهم على نفس الضوء القديم بوجه جديد..كلهم صاروا أجمل. للمرة الأولى لا أتوجس من أشباه الغرباء الذين يشاركوني ذات الطاولة. للمرة الأولى تؤلف قطعة سكر بين حاستي اللمس والتذوق لدي، للمرة الأولى تؤلف الصفحات وأقداح القهوة ومكعبات السكر بين غرباء لم يعودوا غرباء.
الصفحات تنسى، فناجين القهوة المرة تنسى؛ في كل مرة ينتهكها غريب تستسلم له كي تنسى من سبقوه، كي تغادرها الكلمات التي قيلت في وجودها، مهما كانت. حتى الساعات تنسى لأنها فقط تُنسى و بسهولة مقيتة أحياناً. لكنني لن أنسى، أدرك تماماً أني لن أفعلها.. و لا غيري!
ملكة بدر
18/10/2008
-1-
أول مرة الجهاز يتمسح من عليه كتاباتي الأولى
قعدت اكتر من ساعتين
من الصدمة
مش عارفة أتكلم
ماكنتش متخيلة
إني هوصل لمرحلة
في يوم من الأيام
همسح فيها اللي كتبته بإيدي
واقطع ورق كتير مليته كلمات وشخبطة
كان لازم اعرف من الأول
إن مفيش حاجة في الدنيا ممكن تكون غالية
للدرجة اللي إحنا متصوراها!
-2-
لما كانوا في المدرسة بيقولوا لنا
"طلعوا ورقة واكتبوا فيها أسامي الحاضرين"
كان أول واحد دايما يعمل مربع فيه رقم1
ويكتب جنبه اسمه ويمررها للي بعده
وعلى ما الورقة توصلني
كنت ألاقي الورقة اتملت مربعات وأسامي
وتروح الورقة للمدرس فيها 49 مربع
ودايرة واحدة !
-3-
حاجة في منتهى الغتاتة
إني أكون بتخانق
وانا عارفة وكل اللي حواليا عارفين
إني على حق
وإني بطالب بحاجة مشروعة
وفي عز زعيقي وانفعالي
الاقي صوتي خانني وعيطت!
-4-
لما كنت عايزة أخرج في مظاهرة
أهلي قالولي
" لما تخلصي دراسة
ابقي اعملي اللي انتي عايزاه"
ولما خلصت دراسة
رجعوا قالولي
"لما تبقي في بيت راجل
ابقي اعملي اللي انتي عايزاه"
ولما جه الراجل ...
كلهم أكدوا لي
إني عمري ما هعمل اللي انا عايزاه !
- 5-
الراجل اللي بيزعق ويشتم ويضرب ويطلق
عشان كان متنرفز
واللي بيتحرش بأي واحدة
عشان كان مستثار باللي هي لابساه
واللي بيقول إن المرأة عورة
وهو مدمن أفلام بورنو
واللي بيعمل اللي هو عايزه قبل الجواز
بس لو جت الست قالتله انها (حبت) قبله واحد
ويقولها انتي (......) ويسيبها
بصراحة
يستحسن يعمل عملية ويتحول
عشان المشرحة مش ناقصة قتلى!
-6-
كل الناس
بتحب اسكندرية في الشتا
عشان بيهربوا لها
بس لو كان كل واحد عنده اسكندرية جواه
كان ممكن نحب شهر أغسطس
في الصعيد!
-7-
السيد الرئيس
السيد الوزير
السيد المحافظ
السيد رئيس جهاز التعبئة والاحصاء
والله لو كنت أعرف إن وجودي كرقم
هيستهلك ورق الحكومة زيادة
بمعدل 0.1 كل كام سنة
كنت منعت جوازة أمي من أبويا دي بأي شكل!
-8-
بيقولوا اللي يشرب من كباية مكسورة
ينكسر قلبه
أنا بقى هموت وأعرف
فين الحنفية اللي بتنقط من 20 سنة دي؟!
-9-
الراجل أبو شعر طويل
اللي عدى علينا وإحنا بنصور التماثيل
في الأوبرا
وقف وقال لنا هو مش حرام الكلام ده عندكم؟!
مع إنه كان مصري ومسلم مش أجنبي
ومع إننا كنا (بس) لابسين حجاب
رديت عليه بمنتهى البساطة وقولتله
إن الحجاب مش معناه إن الفن حرام
بس كنت غلطانة ساعتها
كان لازم أقول له
لكم دينكم ولي دين!
-10-
لما هموت هسيب لبنتي أو لابني
تركة صغيرة تقيلة
عبارة عن ورقة
هيلاقوا فيها كلمتين بس
" أنـــا آســـفــة "!
-1-
هما ليه موظفين الحكومة في مصر ما بيشتغلوش إلا لما يتشتموا أو حد يعمل لهم فضيحة ويزعق فيهم؟!
-2-
هو مين اللي حكم بأن اللي بيحصل لنا كمصريين دلوقتي نتيجة لأننا كلنا بقينا كفرة؟
طيب ما اللي في أمريكا وسويسرا مش كلهم عارفين ربنا وفيه منهم مش بيؤمنوا بوجوده أساساً
اشمعنى دول ربنا مش غضبان عليهم ومش باعت لهم حكومة زي بتاعتنا؟!
-3-
ليه الناس في محلات الأكل بيبصوا لغيرهم طول ماهم قاعدين؟!
-4-
هي ليه الست المصرية اللي جوزها بيموت لازم تفضل لابسة أسود لحد ما هي تموت ولو قلعته ولبست ملون حتى لو بعد 3 سنين مش 3 ايام الناس بتقول عليها ست قليلة الأصل؟!
-5-
هو ليه كل لما أسأل حد من الكبار عن مدى حرمانية الرشوة دلوقتي يردوا بأن "الضرورات تبيح المحظورات"؟!
-6-
هو ليه كل لما أركب عربية السيدات في المترو بلاقي كل اللي فيها بيتفحصوني من راسي لرجليا ؟!
وليه بيتفحصوا كل واحدة طالعة ونازلة مع إنهم عارفين إن غيرهم قبلهم كانوا بيتفرجوا عليهم برضو؟!
-7-
ليه فيه موالد في مصر أساساً مع إنها مش حاجة في الدين؟!
-8-
ليه معظم الرجالة العرب ما بيرضوش يتجوزوا واحدة مرتبها أعلى من مرتبهم؟!
-9-
هو امتى بالتحديد ظهر مصطلح "عارف ربنا"؟
ويعني إيه عارف ربنا؟
وهل لو واحد "عارف ربنا" لكن مابيسمعش كلامه تبقى دي معرفة قلتها أحسن ولا إيه؟!
-10-
ليه الناس بتفترض إن أي مكان هو ملكيتهم الخاصة ممكن يلزقوا عليه أي استيكرز زي ماهم عايزين؟
وليه بيكفروا اللي بيقول لهم ماتبوظوش المنظر العام بمبرر إن استيكراتهم عن الحجاب والنار والزنا ودي منفعة للمسلمين؟!
-11-
هما ليه الناس حتى لو مبسوطين لازم لو ماشيين لوحدهم يبقوا مكشرين؟!
-12-
ليه عسكري المرور في أي حتة لما بسأله بيقول لي "ماعرفش"؟!
-13-
هو ليه فاروق حسني لسة وزير لحد دلوقتي؟!
-14-
هو ليه بعض الرجالة عندهم في القاموس كلمة ست معناها شهوة و استباحة؟
-15-
ليه الرجالة لما بيشوفوا بنت لبسها مش على مزاجهم مابيرضوش يقوموا لها في الأتوبيس؟
وعموما ليه لما بقوا بيشوفوا ستات حتى لو كبار في السن بيفضلوا قاعدين؟
-16-
ليه الرجالة المصريين عموماً شايفين إن الست مهما كانت عظيمة فهي عمرها ماهتبقى أعظم منهم لسبب بسيط: إنهم رجالة؟!
-17-
ليه فيه ناس بتتجوز وتخلف عيال بالدستة مع إنهم مش لاقيين ياكلوا؟!
-18-
أنهي قانون صدر وقال إن "الراجل ما بيعيطش"؟
وليه بيقولوا "الراجل ما يتكسفش"؟
-19-
هي ليه المشاكل جزء من الحياة؟
ليه لازم نتقبلها دايماً؟
ليه لازم نرضى بالجزء الاستثنائي من الحياة لحد ما يبقى هو الحياة نفسها؟!
-20-
احنا ليه كمصريين ساكتين على كل ده وليه ساكتين كل ده؟!
-21-
ليه الاسدال أو النقاب لازم يبقى أسود؟
يعني لو الألوان بتفتن وفيها شر مش كان ربنا هيرحمنا منها من الأول؟!
-22-
ليه بعض الناس بيستقووا على الست لما بتبقى لوحدها؟!
-23-
ليه الناس بتحب جداً تتفرج وتسمع الخناقات؟!
-24-
هو احنا ليه كلنا مصيرنا لازم نربطه دايماً بشخص واحد؟
إما الريس أو وزير ما أو مديرنا في الشغل أو حتى زوج أو زوجة؟!
-25-
أنا ليه بطلت كتابة حاجات ترضيني ؟!
كنت في سقوطي لا أترك لجسدي حرية الانفلات مني واختيار مساحة الفضاء التي يريد أن يحتلها بسقوطه. أتماسك حتى النهاية في تشبث سخيف بمشهد القوة، وحين أقارب الأرض كنت أبحث عني فألملمني بسرعة ثم أبعثرني من جديد فوق أقرب كرسي خشبي يدّعي الصلابة مثلي.
هذه المرة لم تكن بجواري حين استسلمت لقانون الجاذبية. أنت في مكان ما بعيد تحادث قوماً لا أعرفهم بلغة لا أعرفها بينما جسدي أنا هنا يبحث عمن يستطيع أن يفهم لغته و ينتشله بدلا من تلك الأيادي التي تتلقفني. حقيقة واحدة أدركتها رغم غياب وعيي.. أنت هناك، أنت لست معي، أنا هنا وحدي.. وحدي تماماً. حقيقة أدركتها قبل حتى أن أغيب.. أنت هناك.. أنا هنا. أنت و أنا صرنا اثنين.. رغم كل شيء.
لم أستطع أن أقاوم هذه المرة، لم أدرك حتى أن عليّ المقاومة. تركت كل شيء، كل من حولي وكل ما كان بيدي واستسلمت. تركت كل جسدي ليتصرف بحريته. تركته يسقط رغم كل شيء ، حتى الفعل "تركته" لا ينطبق عليه، هو ذاته قد ترك نفسه للأرض. لا أشعر ببرودة البلاط و لا قوة الإضاءة و لا أصواتهم حولي و لا حتى المياه التي كانت تغرقني كنبتة يستميت أصحابها لاحياءها رغم أنهم تركوها أياماً عديدة دون قطرة واحدة.
لم أكن أعرف أن الحرية رائعة إلى هذا الحد. رائعة إلى درجة أني سأنزعج جداً لو عدت للوعي ثانيةً. كأنني بلا أطراف، بلا جسد، و الأهم.. بلا أفكار. الآن أرى كل شيء، لكن لماذا لا أرى نفسي في الفيلم ذاته؟ قليلون هم من يستطيعون رؤية شريط حياتهم أمامهم و هم أحياء.. على الأقل كنت أوفر حظاً من كثيرين.
رغم كراهيتي للظلام دائماً - ليس عن خوف طفولي وإنما عن رعب قديم من فكرة فقدان الاتجاهات - أتمنى أن يدوم ذلك الظلام الذي غرقت فيه. صدقني لست خائفة، ربما للمرة الأولى لا يعتريني أي خوف.. أنا فقط... أنا... لا أدري، يمكنك أن تسأل طفلاً لم يتجاوز بضعة شهور عن إحساسه و هو نائم لا يشعر بشيء. راحة غريبة، أكاد أقسم أني لم أعرف مثلها من قبل. ربما لهذا السبب أكره العقاقير التي تبقيني واعية.. لم لا وهي تسلب مني حريتي الأخيرة في الاستسلام؟!
لماذا يجبرونني بهذه القوة على العودة؟ أنا لم أضف لأي منهم شيئاً يذكر فلماذا يهتمون بوجودي بينهم بهذه الطريقة الفجة؟ دسوا في فمي شيئاً لا أعرفه، لا أقوى حتى على السؤال عما ألقموني إياه، ثم من أين أتوا بكل هذه العيون التي تحدق فيّ بصفاقة؟
"إنتي كويسة دلوقتي؟"
سؤال سمعته من رجل جواري بينما اكتفى الآخرون بالتحديق المقيت. أهمهم بأي شيء لا أفهمه فينصرف كل إلى حاله. أتسائل للمرة الألف من أين أتت كل هذه المياه على وجهي وكيف لم أشعر بها؟ وجنتاي مبللتان بدموعي التي لم أكن أعرف أني أمتلك كل هذا القدر منها، للوهلة الأولى لا أخجل من خروجها في حضرة كل هؤلاء الغرباء. أبحث عنك بعيني اللتين لم أستعدهما بالكامل بعد، هممم.. لازلت غائباً.
لم يتبق الآن سوى محاولة التماسك. الخطوات بسيطة، هذه اليد على هذا الحائط.. و هكذا، نعم، خطوة بالقدم اليمنى.. اليسرى.. اليمنى.. اليسرى...
ملكة بدر
8/8/2008
2- عن أزرق ينـتظرني بـحب
أتوق إلى مغطس كبير أزرق، أكبر مني، يبتلعني حتى منابت شعري، يغسلني بمياهه المغرقة في رائحة التفاح . من حولي ليس هناك من ضوء سوى رقصات شمع على الجدران، في الخلفية أجمل صوت يشتاق إليّ منذ زمن ..ثم الصمت.
أزرق لون الصمت.. هكذا أعرفه. لماذا أزرق؟ لأنه شفاف، رقيق، حزين نوعاً و صعب الالتفات إليه إلا بعد تمعن. لا أعرف تحديداً كيف أصف الأزرق لأعمى، أو كيف هو الصمت لإنسان مدني لم ير الطبيعة إلا من خلال نافذة أتوبيس يسبب له دائماً آلام بالمعدة.كيف عرفت أن الصمت أزرق؟ لأني أحب كليهما.
بدأت أحب أمنياتي. تمنيت من امرأة لا أعرفها ذات يوم منزل أبيض نوافذه زرقاء. أعترف أني انتظرتها طويلاً حتى أتت لي بنصف الأمنية الأول : البيت. فرحت كثيراً - فرحت بتعقل كعادتي دون صراخ أو قفز بالهواء أو احتفالات.. فقط بتعقل مقيت - تركتني مع البيت وهي تقول :"ليس كل ما يتمناه المرء يدركه". تجاهلت كرهي الشديد للجمل المعلبة التي يسهل طبعها على أغلفة الكراريس الخلفية. تجاهلت حقيقة أنها تركتني في منتصف كل شيء كالبلهاء أنتظر منها تكملة ما بدأته وهي تودعني بيدها المنقوشة بأحدث صيحات الألوان. تجاهلت رمادية واجهة البيت وانعدام الأخضر حوله.. لكن التجاهل لم يسعفني حين اكتشفت أن النوافذ ليست زرقاء.
أعرف أني لن أتخلى عن البيت من أجل "سبب تافه" كانعدام زرقة النوافذ. لن أنكر جميل الساحرة المودرن التي أهلكتني وأهلكته معي من أجل بيت يشاركنا فيه الجيران بحميمية وتطفل. أعرف أني لن أتمرد على البيت لأنه ببساطة الوحيد المتاح ولأنني بالتدريج بت أحبه . ما أعرفه يقيناً أن زرقة النوافذ لن تترك مخيلتي وستظل تراودني عن نفسها إلى أن أحقق أمنيتي تلك. ساحرتي القديمة قد زودتني بنصف الحلم فقط بعد عناء... الآن - أو غداً- ربما أستغل واقعي معه كي أحقق النصف الآخر.. ولتنتظر النوافذ بيضاء إلى أن تلونها ريشتي كما يحلو لي.