Monday, August 23, 2010

اتجاهات مفتوحة على العبث


كأنك تخرج من فيلم ساذج قديم، تمتزج فيه كل المشاهد بأنين كمان بطيء، ستفترض أن صاحبه وحيد مثلك، أو نقرات بيانو أرستقراطي، ستفترض أن لونه أسود كي تكرهه.
تخبرك البنت التي تشبه جو الفيلم العام "ما ينفعش نفضل أصحاب؟" تدير وجهك بالاتجاه المعاكس وأنت تتمتم بأشياء يعاقب عليها قانون الأخلاق الوضعي، الذي يتجاهل في الوقت نفسه معاقبة مدمني "الكليشيهات" والذين يستقون تجاربهم من أفلام الستينات.
ستتحاشى الزحام والضجيج، والمباني الموشكة على السقوط، وتلك التي سقط بعضها بالفعل فوق رأسك وكان "لله خطط أخرى"1، فلم تمت.
وبما إنه "فيلم ساذج"، ربما توزع ابتسامة أو اثنتين للبنت التي تأتي من الجهة المقابلة، وتختلس النظر لصورتها على زجاج France Airways، أو تمشي وأنت تغني بصوت عال، يتسامح معه الآخرون نسبيا، أو تضجر من كل المقاهي والبارات المنتشرة في المكان، فتذهب لتجلس على العامود الحديدي الأخضر في الميدان، ترقب المارة باستمتاع عجوز، يعرف عنهم أكثر مما يظنون، ولا ينتظر من أيهم شيئاً.
فقاقيع فقاقيع، بانتظار الانفجار الكبير. وقد يبدو من أحدهم بعض ألوان تعكسها الكشافات القوية البغيضة، لكن أحدا لن يلاحظ لونا واحدا مميزا، ولا حتى الفقاقيع نفسها.
تضم أصابعك برفق حول سيجارة وهمية، كان من المقدر لها أن تكون "إل إم" أزرق، لكنها لم تكن. بالمثل ستذهب الأفكار سدى. ويبقى الميدان وحده، يتوسطه التمثال، شاهرا إصبعه منذ الأزل في "وجه من قالوا نعم"2، حتى أصبحت الفكرة مبتذلة تماما، بل وتبعث على بعض الخواطر القبيحة أحيانا!
يبتسم منك نصف فمك الأيسر. كل ما هنالك أنك أنت، وأنك هنا، وأن المارة أصبحوا فجأة كائنات مسلية جدا، تحتمل كل السخرية المتاحة في العالم. أنت - أو هم- كالبنيان، يتساقط بعضه من بعض، و يُسقط بعضه بعضا، دون أن ينتبه أي منهم للخدعة.
تنظر لأعلى. لا ليس للتمثال، ولا لزجاج المكتبة البراق، ولا لفندق "تيوليب"، ولا للدمامل المنتشرة في واجهات العمارات، التي تنقط مياه طوال الوقت على الأرصفة، بل أبعد، أبعد أكثر.. هل وصلت بعد؟
تجاهل سحب الضباب الأسود الذي كاد أن يصبح رومانسيا من فرط ما تعودوا عليه واستبدلوا الأبيض به. وتجاهل القمر الذي تبدو نتوءاته واضحة هذا المساء من وراء الأسود.
 ها هو. قابع هناك، دون منجل أو مركبة مرصعة بالجماجم أو موسيقى تصويرية رخيصة تنشد الرعب. يجلس على ناصية ميدان فوق القمر. يشاهد العالم تحته بدأب. وصدقني، لو دققت قليلا، لوجدت خلفه تمثالا، وفوقه "تيوليبا"، وعلى وجهه ابتسامة ساخرة، ونظرة حكيمة تشبه نظرة العجائز الذين لا ينتظرون شيئا من أحد!

____________________________________

1- من ديوان "بالأمس فقدت زرا" لتامر فتحي
2- من قصيدة "كلمات سبارتاكوس الأخيرة" لأمل دنقل

Friday, August 13, 2010

ونــس




في البدء كانت السلطة، عندما تدحرجت حبة الحمص لتستقر على طاولة بوفيه السلطات الكبير أمام قميصه. تناولتها بإصبعها، أكلتها وهي تقول بابتسامة واضحة "آسفة.. هي عايزة تقع من الصبح"!
عندما اختلست إليه النظر أول مرة، كان يبحث عن منديل ليمسح به آثار البيتزا من فوق قميصه ذي اللون الفاتح، بينما كانت هي تستعد لتأكل قطعتها الثانية بيدها كما اعتادت.
نظر جواره فرآها، ابتسم رغما عنه، وأكمل ما كان يقوله لصديقه، الذي أخبره في نفس اللحظة أن هناك فتاة في الطاولة المجاورة تأكل بنفس طريقته، تأكل البيتزا بيدها بدلا من الشوكة والسكينة.
بعدها، أصبح من العادي أن يختلس هو الآخر النظر إليها، وتأكد مما فكر به، حينما أمسكت بالمنديل الورقي لتنفض عن بلوزتها البنفسجية قطعة طماطم سقطت منها وهي تأكل.
طلبا الحساب في نفس الوقت، ودون مواربة نظرا إلى بعضهما وابتسما. خرج هو وصديقه أولا، بينما كانت هي تلملم بقاياها من على الطاولة، وتبتسم بلا توقف للفراغ الذي تركه ظله على الزجاج.