Monday, April 25, 2011

لورا




الكوابيس المقيمة تهاجم فجأة وبضراوة؛ على المقاهي، الأرصفة، مقاعد المترو، و تخرج من شروخ الجدران التي تستند عليها. وقد تتجسد المأساة ببساطة في اشتباك حرف النون بالوردة المرسومة على تورتة خيالية، تحضّرها امرأة تعيش بين ميتتين لا تختلفان كثيرًا عن الواقع.

الكوابيس السابقة، تهدم الفكرة الأساسية للمادة، فهي لا تفنى، لكنها تستحدث من العدم، وكلما ظننت أنها "غارت" دون رجعة، تفاجئك كمهرج سخيف ينبثق من علبة مهجورة، أو شارع مررت فيه مرة، أغنية ما تحمل معاني ضحلة، رائحة أو "لازمة كلام"... تذكرك أن "ثباتك الانفعالي" وهم، وتثبت أن المهرجين ليسوا مضحكين على الإطلاق، بل مثيرون للرعب.

Photo: Laura Brown (starred by: Julianne Moore) in The Hours

Wednesday, April 20, 2011

أحياء عند ربهم يرزقون


و قد دل على أن الشرطة استعملت القوة المفرطة في مواجھة المتظاھرين ما يلى:-

1- كثرة الوفيات و الإصابات، إذ بلغ عدد القتلى حوالي 840 قتيلا و تعدت الإصابات عدة آلاف من المتظاھرين، وذلك جراء إطلاق الأعيرة النارية و القنابل المسيلة للدموع التي كانت تستعملھا
الشرطة. 

2- أن أكثر الإصابات القاتلة جاءت في الرأس و الصدر بما يدل أن بعضھا تم بالتصويب و بالقنص، فإن لم تقتل الضحايا فقد شوھت الوجه و أتلفت العيون، فقد كشفت الزيارات و أقوال الشھود و الأطباء- خاصة في مستشفى قصر العيني- أن المستشفيات قد استقبلت عددا ھائلا من إصابات العيون خاصة في يومي 28 يناير، 2 فبراير 2011 بلغ المئات و أن حالات كثيرة فقدت بصرھا. 

3- أصابت الطلقات النارية و الخرطوش التي أطلقتھا الشرطة أشخاصا كانوا يتابعون الأحداث من شرفات و نوافذ منازلھم المواجھة أقسام الشرطة. و غالبا كان ذلك بسبب إطلاق النار عشوائيا أو لمنعھم من تصوير ما يحدث من اعتداءات على الأشخاص.
 
4- طالت الأعيرة النارية أطفالا و أشخاصا تواجدوا مصادفة في مكان الأحداث.

5- سحقت سيارات الشرطة المصفحة عمدا بعض المتظاھرين.



Monday, April 18, 2011

في فضل الكابوس و جفاء الحبيب


وكان من أثره عندما اشتد الجفاء بينهما، وتعلق قلبه بغيرها، أن تباعدت المسافة بين جسديهما وروحيهما، كبعدها بين استحالة عودة الحب إلى قلبه وعودة البكارة إلى زوجه. وفي إحدى الليالي الليلاء، استيقظ مفزوعا من نومه الغطيط، على ضربة فوق رأسه منها.

كان استعداده أن يقتلها، لولا أنها ظلت تستجدي سماحه، وفي عينيها بين النوم واليقظة المذعورة، لأنها كانت تحلم بكابوس ولم تشعر إلا بيدها فوق رأسه. لم يأخذها في حضنه، ولم يطفئ نار الرعب بكوب من الماء، وإنما ظل يبرطم ويسب الدين والعيشة، ثم التف بالغطاء وخرج من المكان، تاركًا إياها عارية تنتفض. وأخرج قلبه قبل أن يرحل، فرماه في وجهها النعسان، وأقسم ألا يعاود المخبولة مرة ثانية.

أما هي، فتمثلت بعدها نبع ملآن من التوتر، تجفل كل لحظة بين اليقظة والمنام، تلف الغطاء حولها جيدا، وتردد أذكارها اليومية "يا أيها العقل التعس، إن جاءك رعب كابوسي فيه يقتلك أحدهم، فامتثل بهدوء، و"اذكر ربك إذا نسيت، وقل عسى أن يهدين ربي"، ولا تتفل عن يمينك أو يسارك، ولا تستعذ من شيطان، بل منك".

وفي الليالي جدباء النوم، يستحيل الكابوس شمسا حارقة، ويقض المضاجع ذكرى كل ما كان؛ من أول القلوب التي قلّبها الله بين يديه فأحبت، مرورا بالخبال المؤقت وزرقة الوجنات، ثم انتهاء بالقلوب التي قلبها الله بين يديه مرة أخرى فبغضت. ومازال قلب المرأة ينتفض ويلهج "يارب.. سلّم"، وتجفل ساقاها بين الحين والآخر، ثم تتعانق على فراغ.




Painting by: Nigel Van Wieck

Sunday, April 10, 2011

دوران متواصل بعيدًا عن المركز





ولم تكن تحتمي بحقيبتها من المتلصصين على الجسد أو الأشباح الوهمية التي تحاول اختراقها طوال الوقت، وإنما من نفسها، خشية أن تندمج مع العالم أكثر من اللازم، فتعود خائبة الرجاء من بعد لا مبالاة. ولم تكن الحقيبة نفسها تحوي شيئا يمكن أن يحمي، إذ امتلأت بالخيبات المتتالية وندوب الجسد والروح التي لملمتها من السنين، بينما كانت السنين تكرارا، يحب أن ينسى نفسه أحيانا، فيظن أن هذه المرة "الأمر مختلف".

العالم دائما لا يتغير. لا تعرف إلا الضالين، الوحيدين في الأرض أو الذين يخططون للهروب انتحارا أو بالرحيل إلى بلاد الله الواسعة.. بلاد الله واسعة لأنها ليست منها، وحين تكون، ستبحث عن بلاد أخرى لله تضيقها. أتباعها هم الذين يخسرون نقاط مباراتهم مع الحياة، الحب، والتجربة كل لحظة، وحين يأتون إليها يكونون متعبين جدا للمحاولة من جديد. أتباعها هم الذين لا حيلة لهم في أنفسهم، المفقودين الذين فشلوا في معرفة أين هم منذ زمن، الذين فقدوا أرواحهم عند محاولة التبشير ببعض منها، ولم يهتموا كفاية لاستعادتها من المؤمنين.

ومن واجباتها المستحقة للأتباع خلق ديكور جديد. الشوارع التي عرفوها وحفظوها تنوي أن ترتبها جوار أخرى في الطرف الآخر من المدينة، ربما هكذا يقل الوحيدين، أو يأنسون بغيرهم الذين يشبهونهم كثيرا، فقط لو عرفوا. لماذا لا تمنحهم المعرفة؟ النار المقدسة دون عذاب ساذج هذه المرة.. وربما تكون الحقيبة مجدية، إذ يبدو أن الحياة صارت تولد فقط من رحم الخيبة.







Monday, April 04, 2011

لعنات إبريل




أضطر إلى اختراق المياه التي أغرقت الشوارع بقدميّ، يقتحم تيار المياه الموحل الحذاء ويغرق الشراب القطني. ألعن كل شيء وأدبدب بقدمي على الأرض في محاولة يائسة لتفريغ الأقدام من الماء وتفريغ الغضب من القلب. كل الشوارع خالية، ما من أحد يستعد لتقديم يد المساعدة، ولا حتى كلمة مواساة واحدة. اللعنات تتوالى من فمي بعد أن أضطر لتكرار اختراق الوحل أكثر من مرة بسبب شوارع مصر العظيمة.


أعبر الشارع الرئيسي وأنا أحسب المعادلة سريعا في رأسي، لا يهم البنطلون ولا الكوتشي ولا الطين، المهم أن نجري سريعا من أمام السيارات التي لا ترى جيدا من قطرات الماء المطينة على زجاجها، ولا تردعها إشارة مرور واحدة أو يوقفها عسكري مرور في هذا الوقت اللعين.

على الرصيف أكتشف المأساة، لكي أستطيع الركوب يجب أن أعود من خلال المياه الجارية لمسافة مترين وأقف في نصف الطريق مثلا، إن وجدت شيئا من الأساس. أقرر المضي عكس اتجاه المياه إلى الأمام. الحظ الرائع يلاحقني، سائق مكروباص لطيف يأتي بكل سرعته ليغرقني بالمياه إلى رأسي، نعم.. هي نفس المياه الموحلة التي مررت فيها منذ قليل. يلعب الحظ لعبته دائما معي، أنجو مرة من المطر، فيغرقني سائق أعمى القلب والنظر بالمياه والطين، أو أنجح في العبور دون الخوض في مياه الأسفلت، فتقرر السماء أن تغرقني بكرم لا حدود له.

أستمر في الحسابات المعقدة في رأسي، 25 جنيه للتاكسي، وفي جيبي 35.. وأحتاج فورا لشريط "كونجستال"، يطمئن عقلي قليلا. تاكسي وراء الآخر يرفض، أبدأ اللعنات بصوت أعلى قليلا عن "البيه السواق" و "امال عايزين يروحوا فين بروح أمهم؟" إلى أن يوافق سائق بعدها بنصف ساعة، لكنه يأنف من الوقوف بمحاذاة الرصيف الذي أقف عليه، فأضطر للجري ورائه والخوض في الوحل والمياه للمرة العاشرة.

"مصر تغرق في شبر مياه"، أهز رأسي وأوافق السائق العجوز ذي الصوت الأجش، وأتمم على كلامه "لو بس يخلوا عندهم شوية ضمير في سفلتة الشوارع". يستمر اللغو وأبدأ في الهمهمة وهز الرأس بشكل متكرر، دون أن أعي شيئا مما يقوله، لكنني أميز أشياء لطيفة مثل "مظاهرات إيه؟ دي قلة أدب"، "الدنيا متغرقة وهما مش فارق معاهم برضو ملقحين هناك".

يتزامن وضعي للسماعات في أذني مع دخولنا منطقة وسط البلد. خالية تماما، الحفر الطافحة بالماء تعكس الأضواء المصفرة، وأفكر "طب والله العظيم دي حاجة بديعة". أحاول ألا أركز كثيرا مع قدمي التي فقدت الإحساس بها تقريبا بسبب الماء والبرد. الست فيروز تقنعني مرارا وتكرارا "إيه فيه أمل"، والحاج السائق مازال يرطن بنفس الحماس، إلا إنني اكتشفت أنه يتحدث عن جمال عبد الناصر الآن.

في البيت، أكتشف أني نسيت كومة غسيل محترمة على الحبل منذ أمس، و نسيت شريط "الكونجستال"، كما أني دخلت بالفعل على السجادة بالكوتشي المطين. ولم يكن أمامي شيئا آخر أفعله سوى أن أكيل لفيروز نفسها اللعنات وقتها.. قال أمل قال!