Friday, November 21, 2008

القول الفصل في محشي الكرنب

الحقيقة قضية كالتحرش والقمع والنظرة لجسد المرأة بشهوة وللمرأة ذات نفسها بدونية واضحة أخدت مني مناقشات كتيرة وأفكار أكثر. إنما ولحكمة لا يعلمها إلا الله قرر العالم أن يهديني الإجابة والراحة أخيراً عن التساؤلات التي جالت بذهني طوال الفترات الماضية وعن المنطق اللامنطقي الذي يسير المصريون به منذ مدة كدة طويلة يعني.

إذ في عصر يوم الخميس الماضي ولظروف صحية ألمت بوالدتي اضطريت أتذل أنا وهي لمستشفى حكومي متخصص في امراض الصدر والقلب بعدنا بمحطتين. الأمور استقرت على ضرورة العلاج عن طريق مصل يديه لها دكتور متخصص في امراض الصدر وهكذا استنينا على باب سي الدكتور إلى أن يحين الموعد المنتظر.

السيد الدكتور عظيم الشأن له باع طويل في تخصصه يبلغ من العمر فوق الخمسين بشوية أصلع وفي بداية لقائك به قد تبدو عليه إمارات الذكاء. دخلنا وبدأ هو في تحضير جرعات المصل إياه بينما كل شوية تقع من ايده حاجة على المكتب اللي قدامه. جدير بالذكر إننا دخلنا بصحبة مريض آخر له نفس المصل عشان سي الدكتور عنده مشاوير و يريد على حد تعبيره أن "ينجز".

أردنا حقيقة أن نخرج من المستشفى سالمين فأكدنا عليه بشيء من الظرف من منطلق "إن لك عند الكلب حاجة" أن يحاول التركيز في جرعات المصل كي لا تختلط جرعاتنا بجرعات المريض التاني ده هو لأن الحكاية مش ناقصة . فرد علينا الطبيب اسم النبي حارسه وصاينه لأمه إنه فاهم هو بيعمل إيه وإنه المحروس لو بيتلخبط في الحاجات اللي زي دي "يبقى أحسن له يقعد في البيت زي الستات ويعمل محشي كرنب"!

ولأني كنت قاعدة أساساً مش طايقة خلقة أهله وهو وقع في عش الدبابير وانا جنبه فقلت له وايه المشكلة في الستات اللي بتعمل محشي كرنب يعني؟ وطبعا كان بودي أن أذيل السؤال بكلمات أخرى تعبر عن اعتراضي الحاد والشديد لكن حاولت جاهدة على تذكر منطق الكلاب إياه . انفتح خشم سي الدكتور عن ضحكة صفراء واهتز كرشه قليلاً وهو يؤكد "أصل أنا مخي صعيدي، بصراحة الست ماتنفعش في أي حاجة غير في البيت عشان تعمل محشي كرنب"!

وهنا شعشعت لمبة دماغي وقلت آآآآه إذن هذه هي الحقيقة المطلقة بقى. وبدافع من رحمة ربي وقبل أن أنطلق في تهزيق البيه الدكتور بكلمات ظاهرها مهذب وجدت المريض الآخر يقول بمنتهى الهدوء "وماله المحشي بقى؟" نظر سي الدكتور إليه بنظرة المذهول الذي كان يتوقع من ابن جلدته أن يسانده وهو وضع طبيعي لو كنت تعرف شيئاً عن ركوب الاتوبيسات وحالات التحرش.. فقال المريض مجدداً "على فكرة أنا شيف" وهنا انكتم الدكتور المنيل على عينه واستمر في النظر للحقن بين يديه حتى انتهى اللقاء القميء.

الآن وبصفة شخصية أشكر العالم بأكمله والدكتور والمستشفى ويوم الخميس لأني أخيرا عرفت مصدر العلة عندنا نحن المصريون. العلة إن الأمر ياسادة ليس له علاقة بالصعايدة ولا بالجهلة ولا بالتعليم ولا بالدكتوراة ولا بالظروف الاقتصادية ولا بالحقبة التاريخية ولا بمبارك نفسه ..

العلة ببساطة إن فيه أدمغة زي الجزمة هتعيش جزمة وتموت جزمة ولا جدوى أبداً من محاولة تغييرها حتى لما لامؤاخذة تفتح بقها وتسلم الروح لبارئها فيتوجد بدالها جزم جديدة صغننة كدة تحمل نفس جينات وروائح الجزم القديمة المرحومة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً!

Saturday, November 15, 2008

قطعة سكر دافئة

تاريخي يبدأ قبل الأزل؛ بشهور، أو أيام أو مجرد ساعات بسيطة.. الآن لم يعد كل شيء كما كان. في الفراغ تتجسد حقائق جديدة ويثبت خطأ أخرى. أكتشف بعد فقدان البصر أن الأشياء تبدو دائماً أجمل في الظلام؛ و إلا لماذا وهبنا الله حاسة كاللمس؟! لماذا يُسمح للبشر باستقبال إشارات جديدة من الحياة دون حتى أن يروها؟

لماذا تبث تلك الرعشة في أجسادهم لو لامسوا جداراً منقوشاً يعود لآلاف السنين..أو حتى من مجرد ملمس يد أخرى غريبة عنهم؟

ألمس الفنجان بهدوء وشبه حكمة بعد أن أغرقت سبع مكعبات من السكر فيه. أتذوق وجه القهوة بطرف لساني، فتراودني قطعة أخرى من السكر لم تغرق بعد. أخفيها عن الفنجان الذي يشبه نداهة السكر، أحتفظ بها في الظل كيلا تنتهكها عيون آخرين. للمرة الأولى أنظر لقطعة سكر بريئة بشهوة من اكتفى من مرارة الوجوه. احتفظ بها كمكافأة طفولية لي على تحمل مرارة القهوة. للمرة الأولى أراها على ضوء الـ"سبوت لايت" اللامع، الذي يضفي بريقاً خادعاً على الذهب ويفشل تماماً في إخفاء تقاسيم الوجوه ودلالاتها. أنتهي من القهوة وأتفرغ لمكعب السكر الأبيض الشهي. يغريني بالاستمتاع ببياضه في الضوء الشاحب أطول فترة ممكنة، غير عابئة بانطباعات الآخرين. أمد يدي لألمس قطعة السكر بحنو و ببطء ثم أرسلها للساني دون رهبة أو خجل. تذوب القطعة برفق كأنها شيكولاتة الحياة حين تتوفر لي. أستمع لمن حولي وأنا أستمتع بالطعم الحلو الذي يناغشني.

أضحك على أشياء لم تكن تضحكني من قبل، أهتم بأمور جديدة، أرى كل منهم على نفس الضوء القديم بوجه جديد..كلهم صاروا أجمل. للمرة الأولى لا أتوجس من أشباه الغرباء الذين يشاركوني ذات الطاولة. للمرة الأولى تؤلف قطعة سكر بين حاستي اللمس والتذوق لدي، للمرة الأولى تؤلف الصفحات وأقداح القهوة ومكعبات السكر بين غرباء لم يعودوا غرباء.

الصفحات تنسى، فناجين القهوة المرة تنسى؛ في كل مرة ينتهكها غريب تستسلم له كي تنسى من سبقوه، كي تغادرها الكلمات التي قيلت في وجودها، مهما كانت. حتى الساعات تنسى لأنها فقط تُنسى و بسهولة مقيتة أحياناً. لكنني لن أنسى، أدرك تماماً أني لن أفعلها.. و لا غيري!

ملكة بدر

18/10/2008