Saturday, March 29, 2008

تنويعات على اتجاه واحد

مشهد (1) :

رجل في منتصف العمر، يدخل وفي يده ابنته الصغيرة ذات الست سنوات. تتبعه زوجته في زي أسود كامل لا يظهر منها أي شيء، يختزلها في شكل كتلة كئيبة سوداء كبيرة متحركة. الطفلة تكاد لا تلحق بخطوات أبيها الذي يقبض على يدها الصغيرة بيده الكبيرة بشدة، تلبس عباءة أطول منها، سوداء أيضاً، وحجاب - أسود - يبتلع كل وجهها البض الصغير. يتخذ الرجل مقعدين في أقصى المكان، تتبعه الزوجة، تقترب ابنته منه كي تجلس على ركبتيه فينهرها دون كلمات و يبعدها عنه بعصبية، تقف الطفلة جوار أبيها وهي تنظر لمقعد خالٍ أمامها بتردد، ثم تقرر أن تكمل انتظارها معهم واقفة وتتجاهل المقعد تماماً.

مشهد (2) :

"معلش النوبة دي عشان خاطري .. معلش .. سامحني النوبة دي عشان خاطري .. سامحني" هكذا كانت تتوسل (شادية) إلى عماد حمدي - الذي كان زوجها في هذا الفيلم - ونستمع جميعاً إليها أثناء انتظارنا لدورنا في الكشف. فجأة يترك الرجل الذي بجانبي ابنه ويتوقف عن ملاعبته، قائلاً للتومرجي "الأغاني حرام". أترك الكتاب الذي بيدي لأشاهد الموقف الكوميدي الذي سيجعلني أستشيط غضباً عما قليل، أنظر إلى الرجل وإلى التومرجي وإلى المرضى ثم إلى الكتاب ثانية وأنا ألتقط كلمات الحوار بأذني ...

- يرد التومرجي بنبرة ساخرة: " ما كل حاجة حرام"

- الرجل: "طب ما تجيب لنا الماتش بقى"

- التومرجي : "معرفش بييجي على قناة إيه هنا"

- "بييجي على قناة دريم ياعم، أو يمكن على الإيه آر تي، بس شوفه كدة"

- التومرجي: "خد الريموت وشوف انت عايز ايه مش حرام"

- يرد الرجل بثقة :" قناة الناس مش حرام"

يمسك الرجل الريموت بيده ويقلب في معظم القنوات ولا أثر للماتش، يعود ليقلب في القنوات من جديد ثم يجد قناة الناس فيبتسم ويترك الريموت جانباً وهو يردد "أصل الأغاني حرام .. والله حرام" !

مشهد (3) :

لم تكن جميلة، ولا حتى عادية كي ترتدي الأسود الكامل فلا يظهر منها شيئاً، كانت أقرب إلى الدمامة لكنها ولسبب لا يعلمه أحد قررت أن تختفي تحت أسمال الأسود التي صارت معتادة الآن. لم أتعجب كثيراً، كنت ببساطة أتجاهلها لأني لم أعد أميزها من بين أخريات سبقوها في الأسود الكئيب الذي يدّعي حرمانية الوجود الأنثوي أصلاً. لم تكن حتى تسمح لكفيها أن يتمردا على الأسود، فسودتهما معاً بقفاز حريري رخيص. ظلت على هذا الحال شهرين أو أكثر حتى فجأة رأيت أحد كفيها بلا أسود. كان ذلك في نفس اليوم الذي رأيت فيه خاتم خطوبة يلمع في يدها، تلك التي صارت عارية!

Monday, March 17, 2008

أخرى.. غيري.. تشبهني

كعادتي، كعادة الإنسان المعاصر طبقاً لتعاليم الحكيم ت.س.إليوت، تجافيني الراحة حتى في النوم، أفتعل ألعاباً بأفكاري، بدأت أفكر في سؤال وجودي سخيف لم أملّه بعد: "هما شايفني ازاي؟"

أبدأ اللعبة بارتجال " أنا تلك التي ستراها تبتسم بلا سبب وحدها وهي تعبر الطريق. أنا تلك التي ستسمع منها "بلد وسخة" وهي تناضل لتنزل من أتوبيس. أنا تلك التي ستسمعها تلعن "أبو الحكومة" جوار عربات الأمن المركزي. أنا تلك التي ستسمع ضحكتها عالية في أي مكان حتى لو كانت لم تتخلص بعد من آثار سقوطها على الرصيف. أنا تلك التي سترى ذراعها طويلاً في أي ندوة او محاضرة لأنها تريد أن تعترض أو توضح وجهة نظر قد لا يهم الآخرون سماعها. أنا تلك التي ستؤلمك (دماغك) منها لأنها لا تصمت أبداً. أنا تلك التي ستسمعها تنتقد كل ما لا يعجبها بكل وضوح حتى لو سببت لنفسها المشاكل وستدرك أنت بعدها أن ذلك - طبع- فيها للأسف. أنا تلك التي ستجدها ممسكة بيديها الاثنتين "مائة عام من العزلة" وتقلب فيها كل خطوتين ربما للتأكد أنها ملكتها أخيراً. أنا تلك التي ستساوم بائعي كتب "طلعت حرب"- الذين يحفظونها تقريبا- لكي تخرج بديوان لنازك الملائكة ومجلة أدب ونقد وتعتبرهم أهم انجازاتها في الاسبوع. أنا تلك التي ستراها واقفة تبكي في وسط أروقة الكلية لأنها "مدخلتش محاضرة الشعر". و أنا تلك التي ستنخرط معك في حوار بلا نهاية إذا ما تضمن الأمر كلمتي "حقوق و ثقافة". أنا تلك التي ستراها في مظاهرة أو اثنتين تهتف أعلى من الجميع لكنك لن تراها أبداً بعدها في أي مظاهرة. أنا تلك التي ستشعر بتوترها بين الناس لكن بمزيد من الملاحظة ستكتشف أنها تفتعل الضحك والسخرية حتى من نفسها كي يمر كل شيء بسلام. أنا تلك المحجبة التي ستراها على "الندوة الثقافية" تتحدث في كل شيء وأي شيء ثم تكمل كوب "الينسون" سريعاً وتدفع متجاهلة البقشيش عن عمد"!

لم تفلح معي لعبة "من أنا" تلك، ولا حتى بعد أن عصرت دماغي كي أستخرج منها صورة لي ترضيني حقاً. أجرب لعبة جديدة؛ أفردهم حولي،الذين لا أفتعل معهم بوح يجرحني، كل منهم يقبع الآن أمامي على سريري ذي الملاءات الصفراء. يدركني هاجس أن الموجودين ليسوا إلا اثنين فقط.. و ربما ثلاثة(!) أتوقف قليلاً وأحاول تذكر آخرين يمكن أن تضمهم الملاءة أمامي وأفشل. أفكر فيما سأقوله لكل منهم "يا (...) أنا محتاجة أحكي،حاسة ان روحي مليانة"، " عارف يا(.....) انا عايزة ابقى انانية النهاردة واخليك تسمعني"... أقلّب صيغاً جديدة ومتنوعة في رأسي، أعود لأبحث عن آخرين وأفشل للمرة الألف،أحيك مما مضى ألف سيناريو جديد أكفر به عن ذنوب أشك أني اقترفتها أصلاً... أشد طرف الملاءة فوق وجهي وأحاول أن أنام أو أختنق في هدوء.