Tuesday, October 10, 2006

إلى نهر فقد تمرده

صوت فيروز ينساب إليّ في رقة،أسير جوار النهر وأنا أمرر أصابعي على سور الجسر وكأنني أتلمس المياه النيلية..هو عالم غامض يجذبك إليه دون إرادة أو تكلف،أقترب منه وكأنني أحتضنه فقط لو تسع يداي كل هذا الجمال!ـ أشعر برغبة في البكاء..لم أدرِ يوماً سبب مقنع يدعوني للبكاء،ربما هو صوت فيروز الحزين الهاديء ..إنه نهر ما يجري بداخلي كذلك النهر الذي أحتضنه بأطراف أناملي أو كنسمة الهواء التي تعبث بأهدابي فيجري علي وجنتيّ نهر من ملح لا يميزه شيء سوى إنه يختلط بدموع حقيقية0 أنظر إلي نهاية الجسر التي اقتربت..منذ دقيقتين فقط كنت في أوله! أتمنى بصوت خافت لا يسمعه سواي والنهر أن يطول الجسر أكثر من ذلك. يتطاير طرف ثوبي مبتعداً عن ذلك العالم الجاف فأحاول الإمساك به،بلا وعي أضحك،أتخيلني وأنا أمسك ثوبي بيد وباليد الأخرى أتمسك بالجسر ثم أتوقف فجأة وأفكر:أهذا حقاً هو ما أفعله؟! تركت الثوب وتوقفت في منتصف الجسر وتمسكت كلتا يديّ بالسور..لم يعد يعنيني ما يريدونه الآن0 لماذا توقفت؟ما من جواب صادق حقاً..توقفت لألتقط أنفاسي بعد هذا السباق البغيض الذي أجدني مجبرة علي اللحاق به..توقفت لأستمد من النهر الدفء رغم أن الطقس متجمد كالجميع..توقفت لأفكر في اللاشيء ..توقفت لأنني أستمتع بذلك اللقاء الصامت بيني وبين الفراغ..توقفت لأني لم أستطع الاستمرار همسات رقيقة تحتضنني بحنان بالغ"تعلمين يا فتاتي أنكِ تشبهين ذلك الذي تغرقين به،تعلمين أنكِ تعشقين الفراغ لأنكِ ابنته.. منه.. فيه..إليه،تعلمين أنكِ لازلت لا تعلمين حتى الآن وربما لن،فقط هنالك دوماً في خزانة أفكارك ذلك الوهم الذي..هل أقول سراب؟ عساه يكون وهماً فالأوهام تتحقق بمعجزة ما لكن السراب يتلاشى حين تطأه أقدامنا،هو -إن شئتِ أنتِ -وهم يشبه تلك التي تبغضينها.. الحياة"!ـ فيروز ترثي فقيداً مات كما يموت كل شيء..كالعادة قصة حب أخري راحلة..الصوت يدوي في أذني بينما أتسائل عن مصير فقيد آخر لا يحدوه إلا حلم أن يبكيه أحد0 شارف جسر النهر علي النهاية..صوت فيروز مازال يئن..مازلت أشعر برغبة في البكاء لكني سأقاوم كما اعتدت دوماً إلي أن اعتاد البكاء الاستسلام فيالها من حرب حمقاء! لماذا صرت هكذا؟ لم يعد عقلي يؤمن بابن واحد له..إما أن يكون ابناً كأبناء الآخرين وإما أن لا يكون من البداية..قاعدة مقيتة لكنني-للأسف- أؤمن بها الآن ولهذا توقف عقلي عن الإنجاب وتبرأ من كل أبنائه السابقين وصار-كالجميع-بلا هوية و الحب؟!..ما شأنه بالنهر الآن؟أهو ذلك التجانس الدائم بينهما؟ بات-كمعظم الأشياء- بلا معني..بلا مريدين يؤمنون به حق الإيمان..بلا أوراق هوية تثبت أنه مازال ينتمي لذلك العالم..طللٌ كان عريقاً نحتاج لوقت كاف وظروف حياة مناسبة كي نجنح إليه ونلتقط له بعض الصور الباهتة ثم نعود لديارنا الباردة من جديد فقط لنتباهى أننا..أحببنا!ـ لكن...يوماً ما أيها النهر ستراني برفقة أحدهم وستري ذلك الشيء الذي يلمع في إصبعي،ستري ابتسامة مكررة كابتسامات الكثيرات، صورة متموجة الملامح باهتة الألوان تجاهد كي تقنع الآخرين أنها ليست كالآخرين..أنها ملونة!ستراني مطوقة بسوار لامع أجاهد كي أقنع ذاتي أنني سعيدة به وبتطويقه إياي.. ستراني أخرى!ـ انتهى النهر وانتهى الجسر وانتهت معهما كل صلتي بي،عاد البشر إلي الوجود، عادت الحياة تدب من جديد في الأشياء عدا قلبي الذي تركته بين أمواج النهر الهادئة المستكينة،خبا صوت فيروز حين عادت أصوات الضجيج تملأ أركان الدنيا.. خبا بين أوهام اللاحياة أو الواقع حقاً لا يهم ، فقط عدت لذاتي التي تحتل مكاناً بين أوراق ودفاتر كلها تؤكد أنني مازلت علي قيد الحياة..أنني مازلت أتنفس حتى لو كان مكان قلبي شاغراً!ـ

2 comments:

Anonymous said...

جميلة رحلتك ..ليت كل اللحظات تتحول سرابا كهذا.

مَلَكة said...

وجميل ردك ووجودك دوماً يا زعرورتي