في الليل،ليس لديك الحق لتغني،أو تحادث نفسك كما تعودت.في الليل،يصبح العالم فجأة مسالماً غير متأففاً ممن عليه.ترتكن أحلامك فوق الوسادة كما ترتكن القطط فوق قطع الكرتون في الشتاء لكن أحلامك ليس لها الحق في المواء.في الليل تكتشف دائماً أنك لم تستغل فرصة زحام النهار وصخبه كي تحادث نفسك أو تغني أو تهتف بما تفيض به!
بعد منتصف الليل،يخبرونك أن النوم سبيل،وأن كل شياطين الحياة تتحرر من قيودها النهارية.يختبيء كل منهم تحت الغطاء/الجلد/الظلام،هو الهروب،ربما من تكتكات الأسنان المسموعة، براثن خوف تُرك ليعيث الفساد بين القلوب،أو من أوجاع الروح المشوهَة.أصداء الموسيقى تخفت منعاً للازعاج،بينما ترتفع الأنفاس و تتعالى معلنة تمردها الوهمي المفقود نهاراً.
قبل الفجر بقليل،الظلمة مازالت تلف الدنيا،والوحشة تتوحد معك حتى تصبحا صديقين.قبل الفجر تتعلق أبصارك بالسماء على أمل الاستمتاع برؤية الفجر وخيوط الصباح الأولى.قبل الفجر لا تلتفت لعواء كلب ضال يسير بلا هدى،ولا لأصوات البحث عن الطعام بين النفايات المبهمة،لا تلتفت لحاجتك الملحة في أن تعانق أحدهم الآن وتهمس له بأنك أخيراً تشعر بالحب،شيء وحيد يدور بخلدك،ماذا سيحدث بعد النور؟
لون بنفسجي شاحب يغزو الدنيا ببطء،نسمة الهواء الباردة تخف حدتها حتى تشعر بمداعبتها وجهك، وقبل أن تنتبه يتداخل الأبيض مع الأسود لكنهما-وللمرة الأولى-لا يصنعان مزيجاً رمادياً كئيباً.تشهد بقلبك معجزة الخلق من جديد.وجهك شبه البارد/الدافيء يتغير معلناً اعتمال ماهو أعمق داخلك،يداخلك ايمان قوي أن ما مر ليس كل شيء،أن ما يحدث جميلاً رغم كل شيء،وأن ما سيأتي ستجعله أفضل من كل شيء. الضوء الأبيض يغمرك فيفيض إلى السماء، الأبيض يغطي كل الأشياء،الطرقات،المساجد،أعشاش الطيور، حتى الشجيرات التي لا تراها.
في الصباح، تتأكد أخيراً أنك لا تحتاج إلى غيبوبة كي ترى الأبيض أو تلمسه.في الصباح،لا تبدو التفاصيل كما كانت أبداً