Thursday, May 06, 2010

ضرورة أن تتخلى الأماكن عن ذاكرتها

في كل مرة أعبر الممر الواصل بين شارع طلعت حرب وشارع كريم الدولة أستطيع أن أميز ذلك الرصيف. عال قليلا، رخامي، شبه مظلم. لجأت إليه في إحدى ليال مارس الماضي، سكبت عليه عدة أشياء منها الكثير من الدموع والكثير من الأفكار التي كتبتها بشكل متسرع في مفكرتي الصغيرة. أفنيت ليلتها كم محترم من المناديل ومن الصفحات ومن طاقة الغضب غير المبررة التي كانت تحتدم داخلي، و كان المارة من العدل - معظمهم- بحيث تركوني وشأني.

ربما سيتذكر مكاوي سعيد أو خالد كساب جلستي المريبة تلك، أو تتذكر الفتاة الأمريكية الحسناء التي جلست قبالتي تتحدث إلى "أمير" الذي تأخر عليها وهي لا تعرف أين تذهب، أو سيتذكر الرجل الذي كان يصر على توجيه السيارات الفارهة للأركان الخالية المتبقية لتشغلها ويقبض هو "الشاي"، لكن هذا كله مستبعد.

يومها كنت أشبه الأطفال المتسولين الذين يسندون ظهورهم إلى واجهات المحلات وهم يمثلون الاستذكار من أجل المال، غير أنني لم أكن أطلب مالا، ولا اهتماما، كنت - كالعادة- أطلب أمانا، ولم يكن موجودا في أي مكان، لا في وسط البلد ولا في المارة ولا في المكالمات الهاتفية التي كنت أجريها منذ أن وطأت أقدامي ميدان التحرير. كنت أتمنى يومها أن يضمني أحد حتى لو لم يكن يعرفني، بل لأنه لا يعرفني.

الآن، لا أبكي أمام المارة، ولا أكتب على الأرصفة، ليس كثيرا على أية حال. أعبر أحيانا ذلك الممر الصغير، أمر عليه بصوتي العالي وضحكاتي وخطواتي السريعة الواسعة، لكنني كل مرة أتوقف أمام الرصيف الرخام، ويخيل إلىّ أنني أرى آثار البكاء عليه، لم تجف بعد.

12 comments:

Ahmed Fayez said...



فكرة مشوقة.

بعض الأماكن اللي بيكون لينا معاها ذكريات (قليلة) بنشعر فيها بشعور خاص. الذكريات القليلة بتكون مميزة.
فيه شعور غريب بالرجوع بالزمن للحدث الأصلى. انخلاع مؤقت من الحاضر الواقع

Rushdy Kamel said...

رائعة جدا
موضوعا واسلوبا

Unknown said...

ولن تجف، إلا إذا جفت آثاره من ذاكرتك..
بوست جميل :)

lamees kamal said...

howa dah 7asal bgd I am gonna cry bgd min wasfik I love it

أحمد حلمي said...

كلماتك جميلة ومعبرة
لدي انا مدينة و6 اشهر من الذكريات
مازلات تحكم حياتي وتصرفاتي بعد 5 اعوام
شكرا لكِ

أحمد جمال said...

يخرب عقلك ، كتبتي الكلام دا ازاي ؟

اسامة يس said...

ولن تجف إذ هي محفورة هناك في ذاكرة القلب .. وهناك أيضاص في ذاكرة المكان...

قلم عذب شفاف...
دمت بكل ود...
خالص تحياتي...

إبـراهيم ... said...

ليس للأماكن ذاكرة .. صدقيني !


إنها لا تشعر حتى بوجودنا ولاتفتقد أي غياب!


اسأليني أنا :)


لكن النص مكتوب بإحساس عالي ...


تحياتي

مها عبد الحميد خليل said...

عجبني اوي النص و أثر فيا

بيتهيألي انه حصل لي انا

:(

Heba Abdel Aleem said...

ببساطة

مذهلة يا ملكة

حوراء said...

اعانى كثيرا مما تعانيه هنا
ان وجدت حل فاخبرينى
رجاءا

سللووومة said...

جميلة
لازم تعملي كتاب