Saturday, May 01, 2010

الخروج إلى النهار

في الطريق، من ميدان إلى آخر، تتساقط الأفكار مني، ولا ألتقطها ثانية خشية الغرق فيها. حقيبتي ثقيلة وكبيرة بما يكفي لتتسع أحلامي وخيباتي معا، لكنني أحاول ألا أحشر فيها الأفكار الطارئة. أخرج من الأتوبيس الضيق وأنا ألملم نفسي وأطمئن على ما تبقى مني.

أذهب إلى الكشك الذي اعتدت شراء الكيك المغلف منه كل يوم. أصناف كثيرة ملونة مرصوصة أمامي، كلها تحتوي على كميات كثيرة من السكر، ولا يستطيع أيا منها أن يزيل المرارة العالقة بروحي. "للصبر حدود" تصدح من راديو البائع، وتذكرني أني أعاني الوحدة لأني أدركت هذه "الحدود" مرة.

يستقبلني موظف الأمن أمام بوابة العمارة، أبادره كعادتي بالسلام فيرد "إنتي معيطة ليه النهاردة؟" أندهش كثيرا، وأتماسك أكثر "أصل ده العادي بتاع يوم الأربع" أبتسم بمرارة وأغادر سريعا.

أنتظر المصعد وأفكر أن كل انتظار مُر بطبعه، أؤكد بصوت يكاد يكون مسموع "أنا كويسة..أنا فعلا كويسة"، أفكر في انعدام التوازن المؤقت الذي أعانيه، وفي الوحدة المستمرة فأحصل فورا على صحبة.

يضمني المصعد الضيق، جواري رجل لا أعرفه، ولا أرفع وجهي لأحاول، لأني بت أفتقد الطاقة والفضول للتعرف على آخرين أو حتى مراقبتهم. تداعب أنفي رائحة كنت أظن أني نسيتها، وكنت أطلب من الله أن أتلبس بها في الطريق صدفة كي تذكرني به، أدرك أخيرا أنه ينبغي علي أن أكون أكثر حذرا فيما أتمناه في المستقبل.

يمر دهر وأنا أتعذب بالعطر الذي يذكرني بتفاصيل أجاهد لأنساها، وتضع ألف ألف خط على ذكريات سيئة بما يكفي لأكرهها، وذكريات أخرى تبدو لي الآن كأنها كانت لغيري ولرجل آخر سوى الذي أحببته.

يغادر الرجل المصعد في الدور الخامس ويترك لي رائحته، بينما أكمل في الأدوار الثلاثة المتبقية طقوس "الأربعاء"، و أزيل آثار العدوان البادي على وجهي، وأتظاهر أني طبيعية بما يكفي لأبدأ اليوم.

الدور الثامن.. الكثير من "أنا كويسة" و "زي الفل". أجلس لأشاهد أسوأ ما يحدث في العالم. أتجاهل الرائحة العالقة بملابسي، وأتجاهل صوت أم كلثوم الذي يصرخ في أذني بالصبر. أبدأ في رشف النيسكافيه الساخن، وأنا أفض غلاف الكيك بابتسامة متفهمة، راضية نوعا ما.

10 comments:

Unknown said...

:) مبروك بداية المشوار الثلاثيني

كلامك صادق ، لمسني زي عادتك ...

مش عارفة جه على بالي أقولك إن الهوا مفعوله أحسن من السكر في الغلوشة على المرارات ... مش احنا مجربين و لا ايه ;)

مبسوطة إني هاجي هنا كتير اليومين الجايين

Lobna Ahmed Nour said...

انتي كمان معانا في المشوار !
محظوظين احنا
:)
كتيـــر

radwa osama said...

بوسه وحضن كبير

هدى said...

أحيانا عندما أحاول تفسير عدم ميلي لكل ماهو "مسكر" بطبعه, أجدني أسترجع تلك المرارة التي يخلفها طعم السكر في حلقي بعد الانتهاء منه ليجبرني على البحث عن شيء "حادق" أغير به الطعم

فكري في مذاقات أخرى غير السكر ,, ربما تفلح في إعادتك إلى ما قبل حدود الصبر

فالحياة لازال بها الكثير

..

حلو إني هقرالك كل يوم

وحشتني تدويناتك

Anonymous said...

ليه الناس اللى بنختار بيربطنا بيهم قدر: هما اكتر ناس *مابتعرفش* تقرا
اللى بين سطورنا كويس؟

او.........

ممكن نقول هم الناس الوحيدة اللى* مابتحاولش* تقرا !

مَلَكة said...

ريهام..

هو انا مش هعرف لو اتنططت احط تدوينة كل يوم بس الموضوع محفزني على الاقل ارجع اكتب شوية بشكل اكتر من مجرد تدوينة كل شهر
انا مبسوطة انك هتيجي هنا كل يوم
:)

يوني
انا كمان محظوظة بوجودك هنا دايما :)

رضوى
ولكِ بالمثل :)

هدى
حاليا بفكر في مذاق محايد
لا هو سكر
لا هو حامض
ربما.. اخترع مذاقا منفردا.. أو اتعود على مذاق الصبر بقى!

مجهول
ابقى اسألهم..

Heba Abdel Aleem said...

برافو يا ملكة

كلمات برئية و رائعة

تسلك ايدك و مشاعرك

و ربنا يحفظك من ألم الوحدة و الفقد

و مبروك علينا مشوار التلاتين يوم اللي هانمشيه سوا

Unknown said...

هي حكايه البرفان دي بتوجع و فعلا يمكن لازم نحسبها كويس دلوقتي قبل ما نحلم

مها عبد الحميد خليل said...

ياه

أعتقد انك وصفت صباح مر على كثيرات منا
على اختلاف الأسباب أو المساءات السابقة يعني


بس وصفك مختلف يا ملكة

تحية
و تشجيعة
و كده يعني

:)

حوراء said...

مراره كبيره وجدتها
ولكنها من الحزن الجميل