كنت سأحرق كل أمتعتي
لأنك طبعت نفسك عليها
بكل أنانية وسخف
وعدت لأكتشف
أني سأستنشق رمادها من جديد
وتتغلغل فيّ..
الآن
قررت أن أغادرها تماماً
سأتركها كما هي
بذكرياتها اللعينة
وأحاول البحث عن فراغات أخرى
أملأها بأشباحي وحواسي
التي لم تمت بعد!
الصدفة وحدها قادتني لقراءة مشكلة في مجلة عن فتاة في بداية سن المراهقة يتحرش بها شقيقها(أخوها بصلة الدم!) وهي لا تعرف ماذا تفعل. والغضب وحده هو الذي جعلني أكتب هنا عن الاستفزاز الذي سببه لي الرد الذي تلقته الفتاة من المجلة.
السيدة التي ردت عليها نصحتها بكتمان الأمر تماماً و"ستر فضيحة" أخوها وأن تلبس دائماً ملابس تغطيها حتى وهي في البيت وان تبتعد تماما عن اي ملابس قد تكشف اي جزء من جسدها وأن تكون أكثر حرصاً وهي نائمة وتحاول دائماً وبشتى الطرق ألا تكون في البيت وحدها حين يكون أخوها موجوداً معها!!!!
و أضافت المسؤولة عن الرد على مشاكل القراء أن الفتاة يجب ألا تفضح أخوها لكي يمن الله عليها بثواب ستر الفضيحة وأن الفتاة لو أخبرت أحداً فإن هذا بمثابة تهديد بدمار العائلة كلها!
ولأني قد تجاوزت حدود الغضب المعتاد الآن لا أعرف تحديدا من أي أبدأ الصراخ! هل أبدأ من امرأة ناضجة مثقفة (أو المفروض أن تكون كذلك) وهي تنصح فتاة بريئة بالصمت التام على واقعة تحرش تكاد أن تتحول إلى واقعة زنا محارم واضحة؟
الصمت في أي حالة تحرش من جانب البنت معناه تكراره، معناه ضياع حقها بالكامل و معناه أنها ستكافيء نفسها بمشاكل نفسية لا حصر لها ستظل تلازمها بقية حياتها. صمتها معناه أن تتذكر البنت الواقعة كل يوم وتحاسب نفسها كثيراً لأنها لم تخبر أحداً وبالتالي تشعر بأن الذنب كله يقع عليها فيما يحدث.. وهو بالمناسبة تفكير كل فتاة تم التحرش بها مهما كان رد فعلها أو ظروف الواقعة نفسها!
وما معنى كلمة "ستر الفضيحة"؟ هل معناها أن تفقد البنت عذريتها نفسيا – وربما جسديا إذا تطور الأمر نتيجة للصمت وعدم اتخاذ رد فعل- من أجل أن تظل سمعة أخيها نظيفة أو سمعة العائلة الكريمة بلا غبار ؟؟!! وماذا عن الفتاة نفسها؟ ما هذا الرد المتخاذل الذي يؤدي إلى خذلان وفشل أكبر؟!!
أما نصيحتها للبنت بأن ترتدي ملابس تغطيها طوال الوقت فكأنها تلقي بالمسؤولية أيضاً على الفتاة، كأن بنت في الرابعة عشر هي التي تغوي أخيها بملابسها وهي أصلا مازالت طفلة!! نفس النغمة المريرة المتخلفة التي نسمعها في الشوارع والنواصي وعلى المقاهي وفي الاتوبيسات، البنت التي ترتدي مايغطيها تحمي نفسها من شرور الرجال بينما التي ترتدي ملابس غير لائقة تستحق مايحدث لها، ناسين أو متناسين أن معظم المتحرش بهن محجبات ومنتقبات في إشارة واضحة إلى أن المتحرش لا يفرق بين عارية ومحتشمة، المهم أنها أنثى.
والسذاجة الواضحة في الرد تجعلك تفكر: هل شاب ناضج استباح جسد أخته المحرمة عليه ليتحرش جنسياً بها سيتوقف عن مثل هذا الفعل لو ارتدت مايغطيها مثلا؟؟ وهل من المفترض أن تفقد هذه الفتاة الصغيرة كل الأمان المتمثل في البيت وفي أخوها الذي يفترض أن يحميها هو فتظل مرعوبة صامتة طوال الوقت لا هي قادرة على أن تخبر أحداً فينهاه عن فعله المشين ولا هي قادرة على مغادرة بيتها والنجاة بنفسها؟!
هل تماسك العائلة المزعوم أهم من مستقبل فتاة في مقتبل العمر ستظل تعاني من آثار هذا الانتهاك المقزز ؟ و أي عائلة تلك التي تتحدث عنها كاتبة الرد وهي ترى أن عالم الفتاة بأكمله واحساسها بالأمان ينهار؟
الكاتبة تطلب ببساطة من الفتاة أن تنام كالثعالب، بعين مفتوحة وعين مغلقة، تتلفت حولها خوفاً وهي في المكان الوحيد الذي من المفروض أن تكون مطمئنة فيه، ترتدي كل الملابس في المكان الطبيعي الذي نرتدي فيه ما يريحنا.. بينما ينام الأخ ملء جفنيه عالماً أن سره المشين لن يجرؤ أحد على كشفه وينتظر المرة القادمة التي ينتهك فيها جسد أخته بحرية!
وكما يستكين صاحب الحق للظلم الواقع عليه بحجة أن الله يجزي المظلوم ويثيبه، أخشى جداً أن يظهر علينا من يطلب من الفتاة أن تصمت أثناء التحرش بها كي تحصل على ثوابين : "ثواب ستر الفضيحة" وثواب الصبر على التحرش كي نحافظ على "تماسك" المجتمع وسمعة مصر!