Wednesday, June 22, 2011

الاحتمالات المفتوحة للسكينة


تبكي بحرقة، وتنهنه، وتعيدها ثم تزيد، بينما المرأة الصغيرة بالعباءة السوداء تحاول الهدهدة، تغني، تحادثها بنغمات خفيضة "طب بصي المحلات، بصي طنط حلوة ازاي"، تهدأ بالتدريج لكنها تلوح بأطرافها في كل مكان.

ألتفت للجهة الأخرى حيث النافذة، أراقب ألوان الكشافات، والملابس المبهرجة، والزحام، وأحاول أن أفصل أذني عن الضجة غير المحتملة، وأفكر أن العالم في منتهى القسوة، جديّا وليس مبالغة أو مجازا، فجأة يستند على ساعدي شيئا ساخنا يختلج بشكل طفيف.

لا أنظر باتجاهه مباشرة، بل أكمل نظراتي الخاوية هذه المرة تجاه الألوان البشعة. أهدأ تماما، أرخي ساقيّ اللتين كانتا مشدودتين على أطراف الأصابع، أشعر بنبضات قلبي تنتظم ببطء، وأسحب شهيقا طويلا من أنفي، رغم عدم استطاعتي عادة التنفس إلا من فمي.

يرتخي ذراعي أكثر، أعدل من وضعي بهدوء ليناسب الكرة الصغيرة الساخنة المستريحة فوقه، والمرأة بجواري في الهاتف "حمى، لسة جاية من تبارك دلوقتي". أبتعد بعينيّ قليلا عن النافذة الرمادية، بنفس الطمأنينة أخفض رأسي للغافية وأقبلها. أكتشف بعد أن أنزل من الباص أن حقيبتي لا تتسع لكل هذه السكينة، وأن هناك فجوة بحجم رأس طفلة صغيرة فوق ساعدي الأيمن.

Wednesday, June 15, 2011

في مديح العبث

النهارات مرهقة، البدايات خادعة، المرارة المعتادة أسوأ من مرارة طارئة. يومًا ما، سأجد المعنى لكل هذا العبث، أو أجد عبثا منطقيا بما فيه الكفاية لأستغني عن المعنى. الشوارع تلفظ ناسًا، كراسي، مقاهي، محلات بقالة، قمامة، أطفال، موتى، أحبة، مجرمين، مياه، وأحيانا تلفظ أنفاسها فجأة، فأفقد توازني، ثم أستعيده وأفكر: أينا الثابت؟

أحاول أن أتذكر متى بالضبط فقدت «مراجيح المولد» بهجتها، متى اختفت الألوان وتركت لونين كابيين غير مفهومين مكانها، أو حتى من الذي يرى أن اللونين الأبيض والأخضر ملائمان دائما لمآذن المساجد الأثرية، أفشل. أنا لا أرضى بالفشل في إيجاد السبب، لابد أن هناك سببا ما، أنا لا أقبل أنصاف الحلول أو التنازلات أو الغيبيات هكذا، لكنني أصل لعلبة الكبريت المكونة من أربع حجرات قبل أن أجد السبب، وأنسى أنني يجب أن أرى المنطق في كل العبثيات بمجرد النظر في المرآة، ومحاولة تنظيم الأنفاس المتقطعة.

لا أحد يشعر بشرخ غير مفهوم من غصن شجرة مكسور بهمجية، لا أحد يمتن كفاية للأرصفة المرحبة بالأقدام، لا أحد يصمت ليسمع غيره، لا أحد ينظر.. لـيرى.