Wednesday, December 08, 2010

العلامات

 Strange but effective

بالتأكيد لم يكن يعرف أنها ستظل أياما تفكر في معنى ما كتبه لها ذات يوم.. غريبة ومؤثرة.. هي لم تكن غريبة، كانت تشعر بعاديتها، كونها نسخة من كل الناس، بالمعنى الحرفي للكلمة، هي تشبه كل البنات، ليست جميلة، ليست مضحكة، ليست أي شيء. كانت عادية ربما أكثر مما ينبغي، للدرجة التي جعلتها تخنق نفسها بقطعة قماش للأبد حتى لا تظل منبوذة من صاحباتها.
كانت الأيام سخيفة بشكل لا يصدق. تنتظر فقط طلته اليومية، تعبيراته التي لم يكن أحد يفهمها غيرها، تفاصيل وجهه التي تعلمت منها كيف تستشف حالة الناس المزاجية دون أن يتفوهوا بكلمة، والأنشطة السرية التي كانت تشاركه إياها، حتى لو كانت مجرد أجزاء من مسرحيات وقصص إنجليزية يطلب منها أن تقرأها وتخبره برأيها فيها.

Distinguished

تلك هي المرة الأولى التي بحثت فيها عن قاموس في المكتبة وحاولت أن تعرف المعنى، كما كانت تلك هي المرة الأولى التي تأكدت فيها أن المعنى لا يكفي غالبا، وأن الإدراك هو الأهم، وهي لم تكن تملك أيهما بعد. ودت لو كانت أخبرته أنها سهرت للمرة الأولى في حياتها تفكر في " الما وراء" وعلاقته بالأحداث اليومية، وأنها تعتبره أقرب إنسان لها في الوجود، وأنها مدينة له بالكثير إلى آخر حياتها، لكنها خافت. الظنون تتلاعب بكل العقول فلماذا يكون هو الاستثناء؟ الظنون تلاعبت حتى بعقل أبيها حول علاقتها بالغامض، رغم كل تأكيداتها وتأكيداته أن لاشيء هناك، وأن الأمر أسمى من اختزاله في هذا الضيق.
هنا، ابتعد، صارت بالنسبة له حقل ألغام، لكنه استمر في التحليق حولها من بعيد، وسقايتها بالعلامات وشد عودها لأعلى بدلا من أن ينحني. ولم تكن تعرف هي أن ذلك كان أفضل بكثير، هكذا كان الدرس الثاني، عندما تتحول العلاقات القريبة البعيدة الملتبسة إلى علاقات distinguished!

 You'll suffer greatly
 
في السنة الأخيرة، كانت تلك نبؤته لها. لم يعتذر عن تشاؤم القول، لم يطمأنها أنه يمزح فقط وإنما أكد على كلماته بإصرار، مذكرا إياها بالاستمرار كشجرة، لا كفرع معوج حله الوحيد البتر. أخبرته أنه استمر طيلة سنوات في إقناعها بالتخلي عن تشاؤمها السخيف وكانت هي ترفض، لأنه رغم سخفه مألوف، لأن تشاؤمها كان درعها الحميم الغالي ضد الخيبات المتتالية، ولم يتركها عارية ولو مرة، فلماذا يعيده إليها الآن؟
ذلك اليوم، ابتسم، بدا حكيما جدا وهو يؤكد أن القادم أسوأ وعليها أن تتحمل. كانت دوما متأكدة من عدم اكتمال مشاريع حياتها بشكل طبيعي، كأن تحب ولا تتزوج، أو تتزوج ولا تنجب، أو تتزوج وتطلق، أو تتزوج وتنجب طفلا غير طبيعيا.. تلك الأحداث الحياتية الطبيعية كانت دائما في مخيلتها منقوصة. شعرت يومها لأول مرة أنه لا عدل في ذلك النقصان، ولا عدل أن يعيد إليها أشباحها الآن بعدما خطفهم منها في البداية. غضبت كثيرا وقالت له: خذلتني!
ذلك اليوم، كان الأخير الذي رأته فيه حقيقة. الآن، يكتفي بالظهور كل فترة ليخبرها أن حياتها على وشك التحول بشكل دراماتيكي جدا، وأن الاستعداد واجب، بعدها تستيقظ.


3 comments:

Mustafa Rizq said...

ما اعتقدش انك محتاجة حد يعلق على الكلام دا.
بس حبيت أقؤل إنه كويس - بشكل ما - إنك تدعبسي جوا من وقت للتاني، خصوصا لما الدعبسة تطلع أسئلة.

بتصريف، أو لو ليكي ف التأويل الشاذ، هتلاقي كل الناس مُحقين بشكل ما.

shady said...

نص جميل يافندم

يمكن حبيته اكتر عشان قريب للقصة .. مع انه مش قصة طبعا .. بس وحشني اني اقرالك قصة ..

مش لاقي حاجة غلط لافته انتباهي

واستمتعت بالنص

مَلَكة said...

مصطفى
لو بمنطقك.. ماعتقدش إني محتاجة حد يعلق على أي حاجة بشكل عام
هو تأويل غريب فعلا
بس والله منطقي!

شادي
شكرا سعادتك :)