Sunday, February 08, 2009

الأجرة يا بهوات

عبد المجيد كان عائداً من الشغل زي عادته في الأتوبيس أبو جنيه ونص الصغير. واقف مش طايق نفسه بسبب السواق اللي قاعد يمطوح فيه شمال ويمين وكأن واجبه تنفيذ نفس الخطوات: هدوء، سرعة مفاجئة، مطب أو بلاعة ثم فرملة مرة واحدة. عبد المجيد كان حاسس إنه راكب ناقة فحاول يهدي أعصابه قد ما يقدر ويركز مع نجوم إف إم اللي كانت من اختيار السواق.

"- نسكن في هاي لاند بارك التجمع الخامس عشان نبقى جنب ماما ومدارس الأولاد

- طب وليه ما نسكنش في هاي لاند بارك ستة اكتوبر واهو جنب الشغل واكيد هيبقى فيه هناك برضو مدراس للأولاد.." صوت المذيع الغير وقور يؤكد وجود هاي لاند بارك في كل حتة نضيفة في مصر مزودة بشواطيء صناعية قدام بيتك ويختم موجهاً كلامه لشعب مصر:

"هاي لاند بارك.. الحق عيييش حياتك"!

ولأول مرة يجد عبد المجيد نفسه مونوناً قبل حتى أن يرص الحجرين إياهم. فكر كثيراً في إنه لم يعش حياته بعد رغم سنواته التي جاوزت الخمسين بقليل. وفجأة بدأت كل الأشياء تتراكم في عقله وتكون وحدة واحدة. اعلان صندوق التنمية، اعلان قانون الضرائب الجديد، اعلان محو الأمية ومصر بتتقدم بينا وآخرهم وأهمهم وهو الذي أكمل الحلقة المفقودة اعلان "احسبها صح ..تعيشها صح"

فكر عبد المجيد أنه لابد من حل لكي يلحق يعيش حياته في الهاي لاند بارك. وأنه لابد أن يرى البحر -حتى لو كان صناعياً- هو الذي لم يعد يذكره منذ زيارة العائلة للأسكندرية وهو بعد لم يبلغ السابعة. فكر إنه لو تغاضى عن دروس العيال، وهدمة أم العيال الشتوية التي تجبره على شرائها كل عام، وهدمته هو شخصياً التي يضطر إليها كل ثلاثة أعوام، و التلفزيون أبو وصلة و اللحمة بتاعة كل يوم أربع في الشهر فربما يستطيع أن يفعل شيئاً.

لمدة ساعة ونصف استغرقها الأتوبيس في 4 محطات وإشارتين و30 وقفة من السواق ليسب الهاربين من الدفع، حاول عبد المجيد أن "يحسبها صح" عله أخيراً "يعيشها صح" لكن الحسبة خرمت منه في النهاية عندما تذكر أنه حتى لو تخلى عن الخضار اليومي فسيعرض أولاده للجوع، أولاده الذين يعانون أصلا من سوء تغذية وأنيميا نتيجة نقص البروتين واللبن في آن. وأنه حتى لو تخلى عن الهدمة فسيعود ليشتريها كمان كام سنة بالشيء الفلاني ولن يسلم من ندب أم العيال ولا العيال نفسهم. وأنه حتى لو بطل يشحت الحجرين فلربما يبارك الله له ويكافئه بشقة في الهاي لاند بارك دي التي ترد الروح. سؤال تلو آخر راودوا عبد المجيد أثناء تدبيقها من كل حتة: كيف حسبها أولئك بتوع الهاي لاند بارك والتجمع الخامس؟ وكيف عاشوها صح؟ هل مثلا خنصروا في السيجار بتاعهم بدل سيجار أبو 100 جنيه خلوه سيجار ب40 جنيه بس؟ هل مثلا سحبوا العربية المرسيدس من المدام وأجبروها على استعمال عربية البيه الصغير في مشاويرها؟ أم اضطروا إلى التخلي عن أوروبا والاكتفاء بشرم لمدة عامين متتاليين؟؟!

عبد المجيد وفر في تمن تذكرة الأتوبيس من الجيزة لحد منشية ناصر... واشترى حبة رمل من عربية كانت رايحة ع الهاي لاند بارك.. والله عفارم عليك ياعبمجيد صحيح

تحسبها صح.. تعيشها صح!

7 comments:

Anonymous said...

بتفكريني بواحد صاحبي في الشغل كان بيدور على شقة و واحد زميلنا حب يخدمه راح جايبله إعلان شقة في مدينتي
عبثا حاولنا نقنعه إن لو أي حد فينا يقدر يشتري تلاتة متر يقف فيهم في مدينتي ماكناش إشتغلنا أصلا فحاولت نحسبها صح لقينا أحسن حاجة نوفرها هي الهوا اللي بنتنفسه

حاتم عرفة said...

عبمجيد وفر كارت الشحن ابو 10 واكتفي بتحويل خمسة رصيد كرة فى الشهر .. ودلوقتى بقى عنده شقة في هاى لاند بارك..
عبمجيد وفر هدمة أم العيال تلات مرات متتالية ..ودلوقتي عياله كلهم اتخرجوا من جامعات خاصة ..
احسبها صح .. تعيشها صح ..
إنهم يحاصروننا يا ملكة ..
و يولدون لدينا احساسا دائما بأننا نحن المقصرون في حق أنفسنا..
وغضب الله قد أتى علينا لتقصيرنا و تبذيرنا وطمعنا اللى قل ما جمع ..
فلهم منا كل تقدير واحترام ..
:)
تحياتي ليكي

إبـراهيم ... said...

نحن "المقصرين " يا حـاتم !! ....

حلو قووي يا ملكة، بس كان عاجبني استخدامك للعامية أكتر، فمعجبنيش ما جاء في النص/القصـة من فصـحى

من زماااااااااان ما قريتلكيش قصـة

ليه كده ؟؟؟؟

Anonymous said...

كيف حسبوها صح
وفروا من الفلوس اللي كانت بتضيع على دعم التعليم والصحة والتصنيع ورغيف العيش إلى آخر هذه الكماليات

أما بالنسبة لعبحميد
أنصحه يشتري استمارة اشتراك للحزب الوطني ويشوف له واسطة تشغله في روزاليوسف
أي خدمة

mohamed talaat said...

بجد موضوع هايل..عشان الاعلانات دي مستفزة جدا..
و الله عفارم عليك ياعبمجيد

Yasmine Adel Fouad said...

عجبانى الحلة و القصة و اعلان اف ام المتين ، بس مقتنعة انك تعرفى تكتبى احسن من كده

ملحوظتى الوحيدة ع القصة ان فيه اجزاء و عبد المجيد بيفكر كنت حاساها محتاجة عامية أكتر من فصحى

انما القصة حلوة و سلسة

Muhamad Abdulghany said...

والله حاجه تجن , اللى يبص على اكتوبر والشيخ زايد ويشوف الاف الفيلات والقصور اللى بتتبنى يتخيل ان البلددى عدت خلاص مش ان فيها ملايين عايشين فى اماكن لا تصلح لمعيشة البشر اصلا