رقدت بين يدي أخيراً تلك الرواية التي كنت أتمنى اقتنائها منذ سنتين. أحاول أن أتحاشى سطورها كي لا أفقد متعة قراءتها فيما بعد. أبدأ في تقليب صفحاتها وفجأة تسقط من بين يدي على الأرض بلا صوت. أحدق فيها لدقائق طويلة. لا أفعل شيئاً سوى التحديق. لا أفعل شيئاً سوى اللاشيء وهو ما اعتدته كثيراً من قبل. عقلي خاو تماماً في تلك اللحظة لكنني أفكر أن عدم تفكيري في حد ذاته ليس محبباً كما كنت أظن. ألتقط الرواية بحرص. أنفض طبقة رقيقة من الغبار تكونت سريعاً فوقها. أقرأ السطور الخلفية، لدي ضعف خاص تجاه تلك السطور التي تأتي دوماً بعد كل شيء، بعد الصخب والانحناءات و زحام الكلمات. فجأة تبرق في ذهني فكرة ما.
أُسقِط الرواية من جديد و عن عمد فوق ذات الأرض. هذه المرة - أيضاً- لا يشق السكون أي صوت. أحاول مرة ثانية وثالثة وعاشرة ولا صوت. كأنني أمر بكابوس أعرف تفاصيله مسبقاً وأصر على استكماله بحماقة أو براعة لا أحسد عليها. أتوسل في بقايا الصمت للرواية أن تصدر صوتاً ولو لمرة واحدة أخيرة. الجاذبية تكمل عملها في آلية كل مرة و توسلاتي كلها بلا جدوى. ألقي الرواية بركن منزوٍ بعيد وأنا أتحاشى النظر إليها فكابوس واحد قد يكفي طوال العمر.