2- عن أزرق ينـتظرني بـحب
أتوق إلى مغطس كبير أزرق، أكبر مني، يبتلعني حتى منابت شعري، يغسلني بمياهه المغرقة في رائحة التفاح . من حولي ليس هناك من ضوء سوى رقصات شمع على الجدران، في الخلفية أجمل صوت يشتاق إليّ منذ زمن ..ثم الصمت.
أزرق لون الصمت.. هكذا أعرفه. لماذا أزرق؟ لأنه شفاف، رقيق، حزين نوعاً و صعب الالتفات إليه إلا بعد تمعن. لا أعرف تحديداً كيف أصف الأزرق لأعمى، أو كيف هو الصمت لإنسان مدني لم ير الطبيعة إلا من خلال نافذة أتوبيس يسبب له دائماً آلام بالمعدة.كيف عرفت أن الصمت أزرق؟ لأني أحب كليهما.
بدأت أحب أمنياتي. تمنيت من امرأة لا أعرفها ذات يوم منزل أبيض نوافذه زرقاء. أعترف أني انتظرتها طويلاً حتى أتت لي بنصف الأمنية الأول : البيت. فرحت كثيراً - فرحت بتعقل كعادتي دون صراخ أو قفز بالهواء أو احتفالات.. فقط بتعقل مقيت - تركتني مع البيت وهي تقول :"ليس كل ما يتمناه المرء يدركه". تجاهلت كرهي الشديد للجمل المعلبة التي يسهل طبعها على أغلفة الكراريس الخلفية. تجاهلت حقيقة أنها تركتني في منتصف كل شيء كالبلهاء أنتظر منها تكملة ما بدأته وهي تودعني بيدها المنقوشة بأحدث صيحات الألوان. تجاهلت رمادية واجهة البيت وانعدام الأخضر حوله.. لكن التجاهل لم يسعفني حين اكتشفت أن النوافذ ليست زرقاء.
أعرف أني لن أتخلى عن البيت من أجل "سبب تافه" كانعدام زرقة النوافذ. لن أنكر جميل الساحرة المودرن التي أهلكتني وأهلكته معي من أجل بيت يشاركنا فيه الجيران بحميمية وتطفل. أعرف أني لن أتمرد على البيت لأنه ببساطة الوحيد المتاح ولأنني بالتدريج بت أحبه . ما أعرفه يقيناً أن زرقة النوافذ لن تترك مخيلتي وستظل تراودني عن نفسها إلى أن أحقق أمنيتي تلك. ساحرتي القديمة قد زودتني بنصف الحلم فقط بعد عناء... الآن - أو غداً- ربما أستغل واقعي معه كي أحقق النصف الآخر.. ولتنتظر النوافذ بيضاء إلى أن تلونها ريشتي كما يحلو لي.